القائمة الرئيسية

الصفحات



❞ الحكاية الأولى (واقعية)‏
‫براءة فرح


 ...براءة فرح
‫ اسمها فرح، تعيش في منزل ينقصه الفرح، تبلغ من العمر في لحظاتنا هذه ١٢ سنة، أسرتها مكوَّنة

 من والديها "أبو ماجد"، و"أم ماجد"، وأخوها "ماجد" الذي يكبُرُها بخمس سنوات.
‫ المحكمة:
 
في تلك اللحظة كانت "أم ماجد" في المحكمة؛ لإكمال إجراءات الطلاق من "أبي ماجد":

‫ القاضي: لماذا تريدين الطلاق؟
‫ أم ماجد: والله يا شيخ لا أستطيع العيش معه،

 هذا رجل خوَّان، ونصَّاب، لَكَمْ صَبَرْتُ على عدم حبِّه لي، وقلَّة حيائِهِ، وعيْنَيْه الزائغتين، وحديثه
 مع النساء في الإنترنت، وبعد كُلِّ شيءٍ، يخونني

 مع من كنت أظُنُّها أقربَ صديقة لي، ويتزوجها عليّ.
‫ القاضي : وأنت يا أبا ماجد ماذا تقول؟

‫ أبو ماجد : يا شيخ الشرع حلّل للرجال أربع نساء، وليس ❝

❞ من المعيب أن…
‫ فرح: أمي ما بك؟ بسم الله عليك، تبدو على

 وجهك علامات الخوف، في أيِّ عالمٍ أنت؟هل تشعرين بالمرض؟
‫ أم ماجد: أنا بخير ولكن ما يقلقني والدك، لماذا لم

 يعد من عمله إلى الآن؟
‫ الساعة الـثالثة والنصف، ومنذ خمس دقائق اتصلت على هاتفه، ولم يُجب.
 فرح: أوووه! يعني كل هذا خوف على حبيب القلب.
‫ أم ماجد: عيب يا بنت!

‫ الآن الساعة الـ٣:٢٧، قبل ٧ دقائق في الساعة الـ٣:٢٠ هذا ما حدث:

‫ أم ماجد نظرت إلى الساعة، وانتبهت إلى أن

 الساعة تشير للـ٣:٢٠عصرًا، فأخذت تُحدِّث نفسها، وتُحلِّق في فضاء خيالها:
‫ لماذا لم يرجع أبو ماجد إلى الآن؟
‫ ليس من عادته أن يتأخر هكذا؟ ❝
❞ ‫ لا بُدَّ أنه قد ذهب إلى مكان ما.
‫ سوف أحدثه عَبْر الهاتف، وأسأله عن سببِ تأخُّره.
‫ اتصلت به، ولكنه لم يُجِبْ.

‫ لماذا لايجيب؟

‫ أين ذهب يا تُرَى؟

‫ ومع من هو الآن؟
‫ أخشى أن يكون برفقة إحدى زميلاته بالشركة،
 هل تزوَّجها عليّ؟ كيف، ومتى؟

‫ صحيح! في ذلك اليوم قال لي إنَّ سُعادًا صديقتك

 لا تستحقُّ الطلاق، وزوجها هو الخاسر عندما

 طلَّقها، ويا لحُسْنِ حظِّ من سيتزوجها!
‫ هل من المعقول أنَّ أبا ماجد كان يتحدث عن

 حُسْن حظه هو، وتزوجها الآن؟

‫ رأسي سوف ينفجر، ماذا أفعل؟
‫ التقطت أم ماجد هاتفها، وأخذت تبحث عن اسم سعاد؛ لكي تتَّصِلَ بها. ❝

❞ أم ماجد : غريب
ليس من عادة سعاد ألَّا تجيبَ على اتّصالي.
‫ أفكارها أخذت تتطاير، وتتدفَّق كشلالٍ لا يتوقّف، نبضات قلبها بدأت تتسارع وكأنها تتسابق، علامات الخوف، والقلق ظهرت على كل جزء في جسدها.

‫ وما زالت تُبْحر في كتابة ذلك السيناريو الدرامي حتى وصلت إلى لحظة المحكمة، فقاطعت فرحُ رحلةَ والدتها في فضاء إبداعها المُعتاد.

‫ فرح: أمي، ما بك؟ بسم الله عليك، تبدو على وجهك علامات الخوف، في أيِّ عالمٍ أنت؟ هل
 تشعرين بالمرض؟
‫ أم ماجد: أنا بخير، ولكن ما يقلقني والدك لماذا لم يعد من عمله إلى الآن؟
‫ الساعة الثالثة والنصف، ومنذ خمس دقائق اتصلت على هاتفه، ولم يُجب.
‫ فرح: أوووه! يعني كلّ هذا خوف على حبيب القلب.
‫ أم ماجد: عيب يا بنت!
‫ الساعة الـ٤:٠٠ عصرًا، وللتَّوِّ عاد أبو ماجد للمنزل: ❝
❞ أم ماجد: اتصلت بك، ولم تُجِبْ؟
‫ أبو ماجد: هاتفي كان صامتًا.
‫ أم ماجد: الآن الساعة الـرابعة وللتَّوّ قد عدت إلى المنزل، ينتهي عملك في الساعة الثانية والنصف، مع مَنْ ذهبت؟ وإلى أين؟
‫ أبو ماجد: كنتُ برفقة أبي ناصر، ذهبنا لكي نشترِيَ بعض قطع الغيار لسيارته.
‫ فرح حبيبتي اشتقتُ لكِ كيف حالك؟
‫ أم ماجد: لا تهرب من الإجابة، إلى أين تذهب؟!!
‫ توقف، لم أنتهِ من حديثي معك.
‫ أبو ماجد : ذاهب لدورة المياه، أحتاج حمّامًا باردًا.
‫ أم ماجد: لماذا؟
‫ أنت عادة لا تستحِمّ الآن؟ (تلك أفكارٌ تدور في رأسها، عاد متأخرًا إلى المنزل، ويريد الآن الاستحمام ؟!).
‫ أبو ماجد: لو شممتِ رائحة ملابسي لعرفتِ لماذا؟ ❝
❞ ٤٨ درجة الحرارة بالخارج، ورطوبة عالية، ومن مَحَلّ سيَّارات إلى الآخر، أشعر كأنني، سُلقْتُ جيِّدًا.
‫ هذا الموقف يتكرَّر كثيرًا، وكثيرًا على مدى السنين، ولكنْ مع اختلافٍ طفيفٍ في الأحداث، أم ماجد تُؤمن بأن زوجها خائنٌ حتى وإن ثبتت براءته!
‫ كفاني فخرًا أنِّي رجل!
‫ والد فرح طيِّبٌ حنون، ولكنه للأسف ضعيفُ الشخصية أمام أم ماجد، فالكلمة الأولى والأخيرة لها، وما تريده فقط هو ما يحدث في ذلك المنزل.
‫ فرح ذاقت الأمَرَّيْن من أخيها ماجد، كان دائمَ التسلُّط والتنمُّر عليها، لا يتوانى أبدًا عن شتمها وضربها، كيف لا؟ ووالداها يُوليان النصيب الأكبر من الاهتمام والمدح والتقدير لماجد فلذة كبدهما، ويَبقيان مجرّد شاهدين لما يحدث لها، أخٌ يؤدِّبُ أخته، فليس هنالك ما يدعو للتدخل!
‫ أصبح يؤمن في قرارة نفسه بأنه كذكر أفضل منها، وأسْمَى منزلةً من كلِّ أنثى، وأكثر عقلًا وحكمة، وأكثر حقوقًا، يحقُّ له ما لا يحقُّ لها، ومن حقوقه أن تُطيعه، ولا تخرج عن أمْرِهِ، ومن واجباتها أن تُوفِّرَ له سُبُلَ الرَّاحَةِ في المنزل. ❝
❞ ‫ ذنبه مغفور، وذنبها أكبرُ الكبائر يُقام عليه الحَدّ!
‫ هو ذكرٌ لا يُعيبه شيء، وهي أنثى يُعيبها كلّ شيء!
‫ هكذا تربَّى ماجد، هو الابن المُدلّل، والمُفضّل لدى والدته، يدور الحقّ معه حيثما دار.
‫ مرَّت الأيام، وما زالت "أم ماجد" في ضلالاتها، وشكِّها المستمرّ في زوجها، مرةً تبحث في هاتفه، وأخرى في رائحة ملابسه، وثالثة عند خروجها للأسواق معه، وحتى في انتظامها بطلبِ حقِّها الشرعِيّ بالفراش؛ خشية ممارسته الجنس مع غيرها، واطمئنانًا على رغبته في الممارسة معها ❝
❞ فرح تكبُرُ
‫ وعند بلوغها سنّ الـرابعة عشرة، ازدادت معالم الأنوثة وضوحًا على جسدها، وازداد جمالُها، وازدادت معه آلامُها.
‫ لم يكن هاجس "أم ماجد" الوحيد هو الشّكّ في "أبي ماجد"، بل انتقلت إلى مرحلة أخرى متقدّمة، وهي تسليطُ هواجسها، وشكوكها على ابنتها فرح، فضيَّقت الخِنَاق عليها بمراقبة مكالماتها مع صديقاتها، ومراقبة محادثاتها معهم على مواقع التّواصل الاجتماعيِّ، ومحاسبتها على الكثير من مفرداتها التي تستخدمها في المحادثات، وسؤالها الدائم:
‫ لماذا قلتِ هذه الكلمة؟
‫ لماذا كتبتِ هذه العبارة؟
‫ ماذا تعنين بهذا الرمز؟
‫ إذا خرجتا للتَّسوُّق معًا كان الشّكّ ثالثهما، وتبدأ معلّقات "أم ماجد" التي لا تنتهي:
‫ - يا فرح امشي عدل. ❝
❞ ‫ - من تشوفي شباب جلستي تتدلعي.
‫ - فرح دوري وجهك عندي.
‫ - فرح لا تتباعدي عني خلك قريبة مني.
‫ - فرح عسى ماكو فرح تستري.
‫ -فرح لا تحطّي عينك بعيون الرجال.
‫ واستمرَّت والدةُ فرح بغرسِ البذور السَّامة في ابنتها مشوِّهَةً براءَتها. ❝
❞ فرح ووالدها
‫ فرح ووالدها بالمطبخ يتجاذبان أطراف الحديث، وصوت ضحكاتهما يملأ المنزل، سمعت ذلك "أم ماجد"، فانطلقت مهرولة إلى المطبخ، دخلت والشرّ يتقدّمها، نظرت لفرح بنظراتٍ غريبة جِدًّا لم تفهمْها، تكرّر ذلك الموقف عِدَّة مرّات، حتى واجهت فرح والدتها إذْ لم تستطع الصمت.
‫ فرح: أمي ما بك؟! كلّما رأيتِني وحيدة مع والدي تغيّرت ألوان وجهك، وانفجر غضبك، لماذا؟
‫ أم ماجد: لا شيء، فقط لا أريدك أن تَبْقَيْ وحيدة مع والدك.
‫ فرح: لماذا يا أمي؟
‫ أم ماجد: بدون لماذا.
‫ فرح: أمي، أتسمحين لي بسؤال؟
‫ صمتت والدتها.
‫ فرح: هل تظنين بي ظنّ السوء يا أمي؟ ❝
❞ ‫ هل تشكّين في أبي أيضًا؟
‫ أم ماجد(بغضب): اصمتي، ولا تتحدّثي في هذا الموضوع أبدًا، وإن رأيتكِ يومًا، وأنتِ وحيدة مع والدك، فلا تلومي إلَّا نفسك.
‫ كُسِرَ قلب فرح، لم تَعِ حقيقة ما يدور في عقل والدتها.
‫ أخبرت فرح والدها بما حدث، فذهب "أبو ماجد" غاضبًا ثائرًا يصرخ بأعلى صوته على زوجته على غير عادته.
‫ أبو ماجد: أنتِ إنسانة مضطربة، تحمّلتك كثيرًا، إلى هنا وكفى، وصلت بك ضلالتك، وأوهامك إلى أن تُشكِّكي في أخلاقي مع ابنتي!
‫ برَّرَت "أم ماجد"، وبرَّرَتْ ولكنْ كلّ عذرٍ أقبح من الآخر. ❝
❞ أنتِ الأمان
‫ فرح تكبُرُ، وتكبُرُ همومُها ومشاكلها، إذ لم تتشافَ بَعْدُ من الجراح التي حدثت لها للتَّوِّ بفعل والدتها، وقع عليها ما هو أشدّ إيلامًا، وأكثر قسوة.
‫ لاحظت شيئًا لم تفهمه، أو لم ترد أن تفهمه، الفكرة أكبر من طاقتها كي تستوعبها.
‫ نظرات ماجد لها في ازدياد، لم تكن تعي أن هذا تحرشٌ، تكرَّرت نظرات ماجد، وفهمت ماذا يريد.
‫ عندها أخبرت والدتها بما يفعله.
‫ وكانت هنا الصدمة!
‫ أم ماجد: أنتِ السبب.
‫ فرح : أنا السبب؟!
‫ أم ماجد: نعم أنتِ السبب، ترتدين ملابسَ قصيرة أمامه، وتجلسين جلسات غير محترمة في حضوره!
‫ فرح: متى ارتديتُ ملابس غير محتشمة أمامه؟ ❝
❞ أخبريني متى؟
‫ أم ماجد: وتتحدّثين بدلعٍ، ومَيَاعة، لا أعلم لماذا تقومين بمثل هذه التصَرّفات؟
‫ فرح( ودموعها تتساقط): أنا يا أمي؟!
‫ أم ماجد: نعم أنتِ.
‫ انهارت فرح؛ بعد أن شعرت بفقدان الأمان، تَمَنَّتِ الموت بكلِّ جوارحها، لا تعلم لماذا ارتسمت بمُخَيِّلَتِها كلمات تلك الأنشودة:
‫ أنت الأمان. أنت الحنان. من تحت قدميك لنا الجِنَان. عندما تضحكين تضحك الحياة. تُزهر الآمال في طريقنا. نُحِسُّ بالأمان. أمي. أمي. أمي. نبض قلبي. نبع الحنان.
‫ فرح لم تشعر يومًا بالحنان، وها قد فقدت كلَّ الأمان. ❝
‏❞ بَيْنَ ذِرَاعَيْكَ
‫ مَرَّتْ الأيامُ، وتقدَّم شابٌّ خَلُوقٌ، ومِنْ ذوي الدَّخل العَالي يُدْعَى "حسن" لخطبة فرح، لم تُفكر كثيرًا، ولم تتردَّدْ بالموافقة على الارتباط به؛ علَّها تجد ما فقدته من حبٍّ، وما نقصها من عطف، وتحيا مطمئنة في كَنَفِ رجلٍ تشعر معه بالأمان.
‫ تمَّتْ الخطبة بشكلٍ سريعٍ جِدًّا.
‫ فرح تنتابها مشاعر متناقضة: سعادة، خوف، قلق، تفاؤل، حزن، لم تطل فترة الخطبة التي كانت ٤ أشهر فقط، وكانت لقاءاتها فيها بخطيبها معدودة ومحدودة جِدًّا.
‫ تمَّ الزواجُ؛ فيبدو أن القَدَرَ قد كافأها على صبرها، ومعاناتها، تزوَّجتْ فرح من حسن، وحقًّا كان حسن الخُلُق، والمَعْشَرِ.
‫ مضى على زواجهما قرابة الشهر ونصف:
‫ فرح ورأسها على صدر زوجها.
‫ فرح: حسن هل تحبني؟ ❝
❞ بَيْنَ ذِرَاعَيْكَ
‫ مَرَّتْ الأيامُ، وتقدَّم شابٌّ خَلُوقٌ، ومِنْ ذوي الدَّخل العَالي يُدْعَى "حسن" لخطبة فرح، لم تُفكر كثيرًا، ولم تتردَّدْ بالموافقة على الارتباط به؛ علَّها تجد ما فقدته من حبٍّ، وما نقصها من عطف، وتحيا مطمئنة في كَنَفِ رجلٍ تشعر معه بالأمان.
‫ تمَّتْ الخطبة بشكلٍ سريعٍ جِدًّا.
‫ فرح تنتابها مشاعر متناقضة: سعادة، خوف، قلق، تفاؤل، حزن، لم تطل فترة الخطبة التي كانت ٤ أشهر فقط، وكانت لقاءاتها فيها بخطيبها معدودة ومحدودة جِدًّا.
‫ تمَّ الزواجُ؛ فيبدو أن القَدَرَ قد كافأها على صبرها، ومعاناتها، تزوَّجتْ فرح من حسن، وحقًّا كان حسن الخُلُق، والمَعْشَرِ.
‫ مضى على زواجهما قرابة الشهر ونصف:
‫ فرح ورأسها على صدر زوجها.
‫ فرح: حسن هل تحبني؟ ❝
❞ ‫ بذورٌ استيقظت
‫ فرح وهي منغمسةٌ في مشاعر السعادة لا تفارق الضحكة مُحَيَّاها، يتلألأ وجهها من صدق ابتسامتها، نظرت لحسن:
‫ فرح: ما الذي تفعله بالهاتف؟
‫ حسن: أبدًا أتحدث مع أصدقائي.
‫ فرح: أيّ أصدقاء؟
‫ حسن: فيصل، وعادل، وآخرين لا تعرفينهم.
‫ فرح: كيف لا أعرفهم أخبرني ما هي أسماؤهم؟ ومن هم؟ لكي أتعرف عليهم.
‫ حسن: حبيبتي فرح حسنًا، ولكن لاحقًا، فالآن أنا مشغولٌ بالحديث معهم.
‫ فرح (بصوتٍ عالٍ): لماذا ليس الآن، أتَّتهرب من ذلك؟ أخبرني من هم هؤلاء؟‫ حسن: (متفاجئًا) فرح ما بكِ؟ ما الذي أغضبك؟ ❝




تعليقات

التنقل السريع